ثقافة الصحــراء

 

للدكتور عباس الجراري

 

نشر دار الثقافة – الدار البيضاء – 1978.

 

المقدمــة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

        في حياة الأفراد والشعوب لحظات غبطة وسعادة تغمرهم فياضة متدفقة، لعل أروعها لحظات لقاء الأحبة والإخوة والأشقاء، حين يلحم بينهم صفاء الود وصدق العهد وإخلاص النية والضمير.

 

        وإن الإحساس بهذه المشاعر في أعماق شعبينا المتلاحمين كان الدافع إلى تقريب خطانا للقائكم في هذا الأسبوع (1) الذي أتاح بلدكم الحبيب مناسبة تنظيمه، لتغدو الروابط مؤكدة على صعيد الثقافة، كما هي مؤكدة على أصعدة أخرى لعلها أن تزيد نموا واتساعا لتحقيق ما نصبو إليه جميعا من أهداف.

 

        وإذا كان الشعور بالغبطة والسعادة يتبلور رائعا عند اللقاء بالأحباب حيث يبلغ ذروته في العمق والداخل، فإنه يتعدى نطاق المناجاة الباطنية ويتخذ أبعادا ملموسة حين يدير المتلاقون بينهم أحاديث وموضوعات قريبة إلى نفوسهم مشتركة فيما يشغلهم من اهتمامات.

 

        وما أظن – انطلاقا من هذا الإطار – أن تكون الأسبقية لموضوع غير الصحراء، هذه الأرض الطيبة الكريمة التي تم تحريرها وعودتها إلى الوطن الأصل بفضل إجماع ونضال شعبينا العظيمين، وبفضل حكمة قائدينا المظفرين. هذه الأرض العزيزة الوفية التي طوي ملف قضيتها إلى الأبد، ولكن الدموع في عيوننا ما زالت لم تجف من كثرة الفرح، والنبض في قلوبنا ما زالت خفقاته لم تهدأ لعمق ما يحثها من طرب وابتهاج.

 

        ولكن، لماذا طرح موضوع الصحراء من خلال الثقافة ؟ الجواب أن الصحراء كانت دائما مهدا أصيلا للثقافة.

 

        والجواب كذلك أن الثقافة كانت أبدا مزدهرة في هذه المنطقة. والجواب بعد هذا أن الثقافة في الصحراء كانت عنصر تواصل وإشعاع على الدوام.

 

 

        وأملي أن أوفق في هذا الحديث إلى إلقاء بعض الضوء على ذلك.

 

        على أن حديثي عن الصحراء سيتعدى نطاق الإقليم المحرر الآن إلى نطاق أوسع يشمل مناطق صحراوية أخرى مغربية وموريطانية.

 

        وسأتناول الموضوع من خلال ثلاث نقاط :

        الأولى : عرض لملامح تاريخية ثقافية.

        الثانية : أعلام بارزون في مضمار الثقافة.

        الثالثة : خصائص هذه الثقافة

 ــــــــــــــ

1) إشارة إلى الأسبوع الثقافي الذي نظمته في نواكشوط وزارة الدولة المكلفة بالشؤون الثقافية في الفترة ما بين 28 مارس و 4 أبريل 1975. وفي نطاقه ألقيت هذه المحاضرة، وكانت مقدمة بعنوان : " الصحراء مهد أصيل للثقافة "..